الإدمان أسبابه وآثاره وعلاجه
يطلق الإدمان على من لزم الشيء ولم يقلع عنه . كمن أدمن الخمر لا يقلع عن شربها ، والإدمان بذلك يعتبر ضرباً من أسوأ العادات التي تستعبد الجسم والعقل ، فلا يسهل على البدن أن يتخلص منها ولا يستطيع العقل أن يدور بعيداً عن فلكها .
ورسالة الإسلام أشد ما تكون حرصاً على تحرير إرادة الإنسان ، إذ أن بقاء الإنسان أسيراً للعادة يتولد عنها معظم المهالك ومنها :
1 ) بل أشدها الكفر حيث يلجأ الإنسان إلى مجاراة السائد من عادات قومه حتى ولو كان عبادة الأصنام ( بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا )
2 ) الإصرار على المعصية وتزيينها وخاصة إذا تمكنت العادة من الإنسان كمثل هذا الذي تمكنت منه رغبة الزنا وملأت عليه حواسه فتوهم أن الشرع يمكن أن يترك الباب مفتوحاً له خاصة فذهب بكل جرأة يقول للنبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول ائذن لي في الزنا .
ومن ذلك أيضاً خبر أعشى بن قيس بن ثعلبة الذي خرج من قومه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الإسلام وقال شعراً يمتدح فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم قلَّ أن ينطق بشر بمثله فلما كان قريباً منه اعترضه بعض المشركين أو المنافقين فسأله عن أمره فأخبره أنه جاء يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسلم فقال له : يا أبا بصير إنه يحرم الزنا ، فقال الأعشى : والله إن ذلك لأمر مالي فيه من أرَب ، فقال : له يا أبا بصير فإنه يحرم الخمر ، فقال الأعشى : أما هذه فو الله إن في النفس منها لعُلالات ، ولكني منصرف فأرتوي منها عامي هذا ثم آتيه فأسلم . فانصرف فمات من عامه ذلك ولم يعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومن ذلك أيضاً ما حدثتنا به الأخبار عن العرب في جاهليتهم الذين تعودوا الحرب والقتال فإذ لم يجدوا عدواً يحاربونه حارب بعضهم بعضاً حتى قال القائل منهم :
وأحيانا على بكر أخينا **** إذا لم نجد إلا أخانا
مفهوم الإدمان في العصر الحديث :
يستخدم لفظ الإدمان في العصر الحديث ليدل على حال الشخص الذي يتناول المسكرات أو المخدرات فهناك من يشرب الخمر لا يقدر على فراقها وهناك من يشرب شتى أنواع المخدرات أو بعضها وكذلك يدخل في دائرة المدمنين المدخنون لشتى أنواع التبغ .
وهناك صور من الإدمان لا زال المجتمع يقبلها كالتدخين وهناك ما يرفضها كشرب الخمر ومنها ما يخشى منه عامة الناس وهو معاقرة سائر المفترات كالبانجو والحشيش وما على شاكلتهما .
أسباب انتشار الإدمان
1 ) الفراغ النفسي الرهيب الذي يحياه الإنسان :
هذا الفراغ الذي يدفعه إلى اليأس من عالمه والسعي لاستبداله بعالم آخر من خلال كأسٍ أو سيجارة .
والسبب الرئيسي في هذا الفراغ هو غياب الدافع الديني وعدم وعي الإنسان بمسئوليات اللحظة التي يحياها أوبقيمة النعم التي أنعم الله بها عليه وعلى رأسها الصحة والوقت .
كثير من الذين يصابون بهذا الفراغ لايدركون أنهم خلقوا في الدنيا ليكدحوا ، وأن التعب في الدنيا جزء من بشريتنا ( لقد خلقنا الإنسان في كبد ) وأن مواجهة الصعاب بالتحدي ومحاولة قهرها هي القيمة الحقيقية للانسان ، أما الاستسلام عند أول مواجهة أو محاولة الهروب منها بمسكر أو مفتر هو شر أنواع السلبية .
وغياب الوعي الديني تقع مسئوليته على الكل : على البيت الذي لم يقم بدوره في التعليم والتربية وعلى العلماء الذين قصروا في واجب البلاغ وعلى الحكومات التي تسعى لملاحقة الشباب المتدين وعلى الإعلام الذي يقدم المتدين دوماً في سورة المتعصب المتحجر المتخلف وأخيراً على الشخص نفسه الذي لم يسعى لتعلم الحق واختار الاستكانة والسلبية .
2) القدوة والرفقة السيئة :
فمما لاشك فيه أن كل إنسان بحاجة إلى مثال ليتبعه وإلى رفيق يسامره والقدوة والرفقة تترك بصمتها واضحة على الشخص ، فهما يمثلان حلقة قوية في البيئة التي يحيا فيها ويتأثر بها وتترك علبه بصمتها من لحظة ميلاده إلى لحظة موته .
ولقد حدثنا القرآن الكريم عن بعض ألوان الصحبة ، والتي تدعو إلي ضلال بعد هدي ( قل أندعوا من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد علي أعقابنا بعد إذ هدانا الله كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران له أصحاب يدعونه إلي الهدي ائتنا ) ( وقال الذين كفروا للذين ءامنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم ) .
يحدث هذا في الوقت الذي ينعدم فيه وجود القدوة الحسنة في عامة البيوت ( إلا ما رحم ربي ) هذه القدوة التي تمثل الملاذ الأول والأخير لتصحيح الخطأ وتعديل الأفكار ، بل في كثير من الأحيان يكون من هم في موطن القدوة سبب البلاء بمقارفتهم العادات السيئة أمام من يأخذون عنهم .
فماذا تتوقع من شاب أو فتاة يرى أباه أو أمه أو كليهما في عداد المدمنين ( حتى لو كانت السيجارة ) فإذا خرج إلى الشارع وجد الرفقة التي تدعوه إلى لحظات ( الأنس والفرفشة ) وإذا سار في الشارع وجد المحلات تبيع شتى المسكرات بلا قيد أو شرط والمخدرات تباع على الأرصفة بل وتصل إليه في محل دراسته و في عقر داره ؛ وماذا لو أراد أن يشاهد شيئاً مما يعرض في التلفاز ؟ إنه سيرى المشهد المكرر الذي يعتبر من الثوابت في كل الأعمال الـدرامية : كئوس تصب ، وسجائر تشعل وكأن هذه الأشياء قد أصبحت رمزاً للرجولة ودليلاً على الشخصية السوية .
في البيت الآباء والضيوف يمارسون ذلك ، وفي المدرسة لا يجد المدرس غضاضة في الأمر ، وفي الشارع ..
إنه حصار يفرض على من يتمسك بالفضيلة حتى يجد نفسه في النهاية مضطراً لإحدى النهايتين : إما أن يساير غيره أو يعتزل المجتمع بأسره .
3 ) غياب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :
وأقصد به في المقام الأول غيابه من فكر الأفراد وإن كنا لا نعفي الحكومات من المسئولية العظمى في ذلك .
والذي يدفعنا إلى هذا القول : أن القوانين مهما بلغت دقتها ومهما كانت صرامتها فهي لا تستطيع أن تقوم بدورها في الحماية والإصلاح إلا بإيمان الناس بها وسعيهم إلى تطبيقها .فالذي نراه أن الناس تبصر المنكر ليل نهار ولم يفكر أحد في إصلاحه لا بنصيحة ولا بأي من وسائل التغيير ولا حتى بالأمر الأخير وهو إغراء السلطان بمرتكب الفاحشة .
أضرار الإدمـان :
أولاً : الأضرار الدينية والخلقية
فهو يفسد على الإنسان آخرته . إذ أن تعاطي المحرمات بمثل هذا الإصرار يدفع المدمن إلي القنوط من رحمة الله ، وهذا أقصي مايرجوه الشيطان وهو أن يصل بالمسلم إلي درجة اليأس من رحمة الله ( إنه لاييأس من رحمة الله إلا القوم الكافرون ) واليأس أكبر العوامل التي تدفع إلى التقصير في كافة الفرائض بما فيها الصلاة والصيام ، بل من الممكن أن يبدأ في السخرية والاستهزاء بالدين وهو في مثل تلك الحالة .
وإذا فسد تدين الإنسان فهل تستقيم أخلاقه . وما الأخلاق إلا تعبير عن التدين الصحيح للإنسان
ثانياً : الأضرار البدنية
وهي أكثر من أن تحصى منها ما يتعلق بكل البدن و منها ما يتعلق ببعض أجزائه .
ويقول الأطباء في شأن المدمن الذي يرغب أهله في علاجه . إننا بما نقوم وعلى الرغم من التكاليف الباهظة فإن كل عملنا هو في الحقيقة تطيب لخاطر الأهل وليس علاجاً للمدمن ، فالإدمان في النهاية لاعلاج له عند الأطباء .
ثالثاً الأضرار النفسية :
إنسان مهزوم يائس لا هدف لديه وفي أغلب الأحيان ليست لديه رغبة في الحياة .. إنه يفضل دوماً أن يعيش في الخيال الذي يصنعه له الإدمان عن أن يعيش في الواقع الذي يطالبه بالتحدي وإثبات الذات .
رابعاً الأضرار الاجتماعية :
وأولها : تقصير في النفقة على الزوجة والأولاد ’ وهذا خطأ شرعي يستوجب المساءلة و التصحيح.
و ثانيها :خبث الرائحة ونتن الطباع التي تكون من المدمن والتي تسبب نفور أهل البيت .
وثالثها : التفسخ الأسري الذي لا بد أن يحدث إن عاجلاً أو آجلاٍ ، إننا لا نتعجب إذا رأينا العديد من حالات الطلاق تتم لعدم قدرة الزوج على الإنفاق بسبب التدخين ، وحتماً سيرتفع العدد في حالة ازدياد عدد المدمنين وخاصة لأشياء أخرى بخلاف التدخين . هذا التفسخ يدفع ثمنه في المقام الأول الصغار .
خامساً الأضرار الاقتصادية :
إن ما يتفق على الإدمان يفوق بكثير أضعاف ما ينفق على كافة مرافق الدول ، فالإنفاق في هذا الباب بلا حدود ويتجاوز المليارات .. هذه المليارات التي يمكن أن تحي أمماً بأسرها ، ويصلح الكثير من المصالح التي تلفت بسبب نقص التمويل .
الوقاية والعلاج :
سبق أن قلنا أن الأطباء يحذرون من عدم إمكانية الشفاء بالنسبة لمن وقع في دوامة الإدمان خاصة لبعض الأصناف .
ومع ذلك فهم يؤكدون أن الجانب الإيماني يثبت في كل يوم لديهم قدرته على تجاوز المستحيلات ومن هنا يمكن أن نقدم برنامجاً يصلح للوقاية والعلاج في نفس الوقت يقوم على الركائز التالية :
أولاً : تنشيط الباعث الإيماني لدى الأفراد :
وهذا الأمر وإن كان يمثل ضرباً من الخيال في هذا الوقت بالذات الذي يواجه الإعداد الديني فيه العديد من العقبات معظمها تضعه الحكومات ؛ إلا أنه يمثل الأمل الوحيد للأمة في الخروج من هذا المستنقع الرهيب .
إن تربية الفرد على الإيمان بالله وتعويده على حب ما يرضي الله وكراهية ما يغضب الله ، وامتلاء النفس أنساً واستقراراً بالقرآن وبذكر الله في نفس الوقت الذي يدرك الإنسان فيه عواقب السوء التي تنتظر المخالفين كل ذلك كفيل بتحصين الإنسان ضد كل الرذائل وتلك هي الركيزة الأولى التي يبني الإسلام عليها انطلاقته ومقاومته للانحراف .. وهي إعداد الفرد إعداداً ينفره من الخطأ ويرغبه في الصلاح .
هذا الدافع الذي يتولد عند الإنسان من خلال تربية إيمانية تفرز لنا أمثال ماعز والغامدية ، كلاهما يعترف علي نفسه بالزنا مع أن أحداً من الناس لم يره ، إلا أن تربيتهما الإيمانية لم تسمح لهما بتحمل ثقل الذنب ، فأسرع كل منهما ( في واقعتين منفصلتين ) إلي رسول الله يعترف علي نفسه ويطلب التطهير بإقامة الحد عليه ، مع أنهما يعلمان سلفاً أن حكم الشرع في المسألة هو الرجم حتى الموت ، ولكنهما يتحملان الألم في الدنيا ولا يصبران علي العذاب يوم القيامة .
ولا يتحقق هذا الجانب إلا بنهوض البيت بمسئولياته في الإعداد والتوجيه وقيام العلماء بواجبهم في البلاغ والإرشاد .
ثانياً : وهو إن كان داخلاً في العنصر السابق إلا أن أهميته تفرض علينا إفراد مكان خاص به وهو تبشيع الفعل القبيح بتسليط الأضواء على أضراره وما يترتب عليه . فكما يزينه الشيطان لفاعله علينا نحن أن نبغضه .
لقد جاء الرجل يطلب الرخصة من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الزنا .. فيتناوله الرسول صلى الله عليه وسلم برأفة وحكمة ليغوص في أعماقه ويتعامل مباشرة مع العلة فيقتلعها من جذورها ولو اكتفى بالقول إن هذا حرام ما كان ذلك ليثمر مع هذا الرجل ..
لقد سأل النبي صلى الله عليه وسلم الرجل إن كان يرضاه لأمه أو لأخته فكان الرجل في كل مرة يجيب : لا وحينما سأله إن كان يرضاه لزوجه قالها مرتين :لا لا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " كلنا كذلك ، لأن التى سيزني بها الرجل هي إما أم ، أوأخت ،أو ابنة ، أو زوجة .
الرجل يقول في تعليقه على الأمر " دخلت على رسول الله ولا شيء أحب إلي من الزنا وخرجت من عنده ولا شيء أبغض إلي من الزنا " .
إنك لو عرضت صورة تبين حال المدمن على أي عاقل فإنه أبداً لا يرضى لنفسه أن يكون في مثل هذا الموقف أبدا .
ثالثاً : إحياء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهذه تتطلب فهماً دقيقاً للأمر فليس معنى هذا إشاعة الفوضى او قطع الرقاب دون روية .
لقد علمنا الشرع أننا حين نرى غيرنا يرتكب الخطأ أن ننظر في حاله .. فإن علمنا أن الخطأ طارئ وأن الأصل في هذا الشخص هو الصواب فإن الواجب علينا أن نستره وأن ننصحه ، وفي ذلك الباب ( الستر والنصيحة ) ورد العديد من أحاديث رسول الله ، أما حين نراه مصراً على الخطأ ولا يبالي وما عادت النصيحة تنفع معه فلا بد من إجراءٍ يضمن ردعه وحماية المجتمع من شره بحسب الطرق التي يحددها الشرع في التعامل مع المنكر .
فالأب ومن في حكمه له ولاية التأديب والإجبار على من يلي أمرهم ، والخارج عن حدود سلطاننا فالسلطان وليه وعليه أن يقوم بدوره وعلينا نحن أن ننبه ولي الأمر ليقوم هو بما عجزنا عن القيام به من ردعه وحماية المجتمع من شره .
يطلق الإدمان على من لزم الشيء ولم يقلع عنه . كمن أدمن الخمر لا يقلع عن شربها ، والإدمان بذلك يعتبر ضرباً من أسوأ العادات التي تستعبد الجسم والعقل ، فلا يسهل على البدن أن يتخلص منها ولا يستطيع العقل أن يدور بعيداً عن فلكها .
ورسالة الإسلام أشد ما تكون حرصاً على تحرير إرادة الإنسان ، إذ أن بقاء الإنسان أسيراً للعادة يتولد عنها معظم المهالك ومنها :
1 ) بل أشدها الكفر حيث يلجأ الإنسان إلى مجاراة السائد من عادات قومه حتى ولو كان عبادة الأصنام ( بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا )
2 ) الإصرار على المعصية وتزيينها وخاصة إذا تمكنت العادة من الإنسان كمثل هذا الذي تمكنت منه رغبة الزنا وملأت عليه حواسه فتوهم أن الشرع يمكن أن يترك الباب مفتوحاً له خاصة فذهب بكل جرأة يقول للنبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول ائذن لي في الزنا .
ومن ذلك أيضاً خبر أعشى بن قيس بن ثعلبة الذي خرج من قومه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الإسلام وقال شعراً يمتدح فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم قلَّ أن ينطق بشر بمثله فلما كان قريباً منه اعترضه بعض المشركين أو المنافقين فسأله عن أمره فأخبره أنه جاء يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسلم فقال له : يا أبا بصير إنه يحرم الزنا ، فقال الأعشى : والله إن ذلك لأمر مالي فيه من أرَب ، فقال : له يا أبا بصير فإنه يحرم الخمر ، فقال الأعشى : أما هذه فو الله إن في النفس منها لعُلالات ، ولكني منصرف فأرتوي منها عامي هذا ثم آتيه فأسلم . فانصرف فمات من عامه ذلك ولم يعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومن ذلك أيضاً ما حدثتنا به الأخبار عن العرب في جاهليتهم الذين تعودوا الحرب والقتال فإذ لم يجدوا عدواً يحاربونه حارب بعضهم بعضاً حتى قال القائل منهم :
وأحيانا على بكر أخينا **** إذا لم نجد إلا أخانا
مفهوم الإدمان في العصر الحديث :
يستخدم لفظ الإدمان في العصر الحديث ليدل على حال الشخص الذي يتناول المسكرات أو المخدرات فهناك من يشرب الخمر لا يقدر على فراقها وهناك من يشرب شتى أنواع المخدرات أو بعضها وكذلك يدخل في دائرة المدمنين المدخنون لشتى أنواع التبغ .
وهناك صور من الإدمان لا زال المجتمع يقبلها كالتدخين وهناك ما يرفضها كشرب الخمر ومنها ما يخشى منه عامة الناس وهو معاقرة سائر المفترات كالبانجو والحشيش وما على شاكلتهما .
أسباب انتشار الإدمان
1 ) الفراغ النفسي الرهيب الذي يحياه الإنسان :
هذا الفراغ الذي يدفعه إلى اليأس من عالمه والسعي لاستبداله بعالم آخر من خلال كأسٍ أو سيجارة .
والسبب الرئيسي في هذا الفراغ هو غياب الدافع الديني وعدم وعي الإنسان بمسئوليات اللحظة التي يحياها أوبقيمة النعم التي أنعم الله بها عليه وعلى رأسها الصحة والوقت .
كثير من الذين يصابون بهذا الفراغ لايدركون أنهم خلقوا في الدنيا ليكدحوا ، وأن التعب في الدنيا جزء من بشريتنا ( لقد خلقنا الإنسان في كبد ) وأن مواجهة الصعاب بالتحدي ومحاولة قهرها هي القيمة الحقيقية للانسان ، أما الاستسلام عند أول مواجهة أو محاولة الهروب منها بمسكر أو مفتر هو شر أنواع السلبية .
وغياب الوعي الديني تقع مسئوليته على الكل : على البيت الذي لم يقم بدوره في التعليم والتربية وعلى العلماء الذين قصروا في واجب البلاغ وعلى الحكومات التي تسعى لملاحقة الشباب المتدين وعلى الإعلام الذي يقدم المتدين دوماً في سورة المتعصب المتحجر المتخلف وأخيراً على الشخص نفسه الذي لم يسعى لتعلم الحق واختار الاستكانة والسلبية .
2) القدوة والرفقة السيئة :
فمما لاشك فيه أن كل إنسان بحاجة إلى مثال ليتبعه وإلى رفيق يسامره والقدوة والرفقة تترك بصمتها واضحة على الشخص ، فهما يمثلان حلقة قوية في البيئة التي يحيا فيها ويتأثر بها وتترك علبه بصمتها من لحظة ميلاده إلى لحظة موته .
ولقد حدثنا القرآن الكريم عن بعض ألوان الصحبة ، والتي تدعو إلي ضلال بعد هدي ( قل أندعوا من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد علي أعقابنا بعد إذ هدانا الله كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران له أصحاب يدعونه إلي الهدي ائتنا ) ( وقال الذين كفروا للذين ءامنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم ) .
يحدث هذا في الوقت الذي ينعدم فيه وجود القدوة الحسنة في عامة البيوت ( إلا ما رحم ربي ) هذه القدوة التي تمثل الملاذ الأول والأخير لتصحيح الخطأ وتعديل الأفكار ، بل في كثير من الأحيان يكون من هم في موطن القدوة سبب البلاء بمقارفتهم العادات السيئة أمام من يأخذون عنهم .
فماذا تتوقع من شاب أو فتاة يرى أباه أو أمه أو كليهما في عداد المدمنين ( حتى لو كانت السيجارة ) فإذا خرج إلى الشارع وجد الرفقة التي تدعوه إلى لحظات ( الأنس والفرفشة ) وإذا سار في الشارع وجد المحلات تبيع شتى المسكرات بلا قيد أو شرط والمخدرات تباع على الأرصفة بل وتصل إليه في محل دراسته و في عقر داره ؛ وماذا لو أراد أن يشاهد شيئاً مما يعرض في التلفاز ؟ إنه سيرى المشهد المكرر الذي يعتبر من الثوابت في كل الأعمال الـدرامية : كئوس تصب ، وسجائر تشعل وكأن هذه الأشياء قد أصبحت رمزاً للرجولة ودليلاً على الشخصية السوية .
في البيت الآباء والضيوف يمارسون ذلك ، وفي المدرسة لا يجد المدرس غضاضة في الأمر ، وفي الشارع ..
إنه حصار يفرض على من يتمسك بالفضيلة حتى يجد نفسه في النهاية مضطراً لإحدى النهايتين : إما أن يساير غيره أو يعتزل المجتمع بأسره .
3 ) غياب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :
وأقصد به في المقام الأول غيابه من فكر الأفراد وإن كنا لا نعفي الحكومات من المسئولية العظمى في ذلك .
والذي يدفعنا إلى هذا القول : أن القوانين مهما بلغت دقتها ومهما كانت صرامتها فهي لا تستطيع أن تقوم بدورها في الحماية والإصلاح إلا بإيمان الناس بها وسعيهم إلى تطبيقها .فالذي نراه أن الناس تبصر المنكر ليل نهار ولم يفكر أحد في إصلاحه لا بنصيحة ولا بأي من وسائل التغيير ولا حتى بالأمر الأخير وهو إغراء السلطان بمرتكب الفاحشة .
أضرار الإدمـان :
أولاً : الأضرار الدينية والخلقية
فهو يفسد على الإنسان آخرته . إذ أن تعاطي المحرمات بمثل هذا الإصرار يدفع المدمن إلي القنوط من رحمة الله ، وهذا أقصي مايرجوه الشيطان وهو أن يصل بالمسلم إلي درجة اليأس من رحمة الله ( إنه لاييأس من رحمة الله إلا القوم الكافرون ) واليأس أكبر العوامل التي تدفع إلى التقصير في كافة الفرائض بما فيها الصلاة والصيام ، بل من الممكن أن يبدأ في السخرية والاستهزاء بالدين وهو في مثل تلك الحالة .
وإذا فسد تدين الإنسان فهل تستقيم أخلاقه . وما الأخلاق إلا تعبير عن التدين الصحيح للإنسان
ثانياً : الأضرار البدنية
وهي أكثر من أن تحصى منها ما يتعلق بكل البدن و منها ما يتعلق ببعض أجزائه .
ويقول الأطباء في شأن المدمن الذي يرغب أهله في علاجه . إننا بما نقوم وعلى الرغم من التكاليف الباهظة فإن كل عملنا هو في الحقيقة تطيب لخاطر الأهل وليس علاجاً للمدمن ، فالإدمان في النهاية لاعلاج له عند الأطباء .
ثالثاً الأضرار النفسية :
إنسان مهزوم يائس لا هدف لديه وفي أغلب الأحيان ليست لديه رغبة في الحياة .. إنه يفضل دوماً أن يعيش في الخيال الذي يصنعه له الإدمان عن أن يعيش في الواقع الذي يطالبه بالتحدي وإثبات الذات .
رابعاً الأضرار الاجتماعية :
وأولها : تقصير في النفقة على الزوجة والأولاد ’ وهذا خطأ شرعي يستوجب المساءلة و التصحيح.
و ثانيها :خبث الرائحة ونتن الطباع التي تكون من المدمن والتي تسبب نفور أهل البيت .
وثالثها : التفسخ الأسري الذي لا بد أن يحدث إن عاجلاً أو آجلاٍ ، إننا لا نتعجب إذا رأينا العديد من حالات الطلاق تتم لعدم قدرة الزوج على الإنفاق بسبب التدخين ، وحتماً سيرتفع العدد في حالة ازدياد عدد المدمنين وخاصة لأشياء أخرى بخلاف التدخين . هذا التفسخ يدفع ثمنه في المقام الأول الصغار .
خامساً الأضرار الاقتصادية :
إن ما يتفق على الإدمان يفوق بكثير أضعاف ما ينفق على كافة مرافق الدول ، فالإنفاق في هذا الباب بلا حدود ويتجاوز المليارات .. هذه المليارات التي يمكن أن تحي أمماً بأسرها ، ويصلح الكثير من المصالح التي تلفت بسبب نقص التمويل .
الوقاية والعلاج :
سبق أن قلنا أن الأطباء يحذرون من عدم إمكانية الشفاء بالنسبة لمن وقع في دوامة الإدمان خاصة لبعض الأصناف .
ومع ذلك فهم يؤكدون أن الجانب الإيماني يثبت في كل يوم لديهم قدرته على تجاوز المستحيلات ومن هنا يمكن أن نقدم برنامجاً يصلح للوقاية والعلاج في نفس الوقت يقوم على الركائز التالية :
أولاً : تنشيط الباعث الإيماني لدى الأفراد :
وهذا الأمر وإن كان يمثل ضرباً من الخيال في هذا الوقت بالذات الذي يواجه الإعداد الديني فيه العديد من العقبات معظمها تضعه الحكومات ؛ إلا أنه يمثل الأمل الوحيد للأمة في الخروج من هذا المستنقع الرهيب .
إن تربية الفرد على الإيمان بالله وتعويده على حب ما يرضي الله وكراهية ما يغضب الله ، وامتلاء النفس أنساً واستقراراً بالقرآن وبذكر الله في نفس الوقت الذي يدرك الإنسان فيه عواقب السوء التي تنتظر المخالفين كل ذلك كفيل بتحصين الإنسان ضد كل الرذائل وتلك هي الركيزة الأولى التي يبني الإسلام عليها انطلاقته ومقاومته للانحراف .. وهي إعداد الفرد إعداداً ينفره من الخطأ ويرغبه في الصلاح .
هذا الدافع الذي يتولد عند الإنسان من خلال تربية إيمانية تفرز لنا أمثال ماعز والغامدية ، كلاهما يعترف علي نفسه بالزنا مع أن أحداً من الناس لم يره ، إلا أن تربيتهما الإيمانية لم تسمح لهما بتحمل ثقل الذنب ، فأسرع كل منهما ( في واقعتين منفصلتين ) إلي رسول الله يعترف علي نفسه ويطلب التطهير بإقامة الحد عليه ، مع أنهما يعلمان سلفاً أن حكم الشرع في المسألة هو الرجم حتى الموت ، ولكنهما يتحملان الألم في الدنيا ولا يصبران علي العذاب يوم القيامة .
ولا يتحقق هذا الجانب إلا بنهوض البيت بمسئولياته في الإعداد والتوجيه وقيام العلماء بواجبهم في البلاغ والإرشاد .
ثانياً : وهو إن كان داخلاً في العنصر السابق إلا أن أهميته تفرض علينا إفراد مكان خاص به وهو تبشيع الفعل القبيح بتسليط الأضواء على أضراره وما يترتب عليه . فكما يزينه الشيطان لفاعله علينا نحن أن نبغضه .
لقد جاء الرجل يطلب الرخصة من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الزنا .. فيتناوله الرسول صلى الله عليه وسلم برأفة وحكمة ليغوص في أعماقه ويتعامل مباشرة مع العلة فيقتلعها من جذورها ولو اكتفى بالقول إن هذا حرام ما كان ذلك ليثمر مع هذا الرجل ..
لقد سأل النبي صلى الله عليه وسلم الرجل إن كان يرضاه لأمه أو لأخته فكان الرجل في كل مرة يجيب : لا وحينما سأله إن كان يرضاه لزوجه قالها مرتين :لا لا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " كلنا كذلك ، لأن التى سيزني بها الرجل هي إما أم ، أوأخت ،أو ابنة ، أو زوجة .
الرجل يقول في تعليقه على الأمر " دخلت على رسول الله ولا شيء أحب إلي من الزنا وخرجت من عنده ولا شيء أبغض إلي من الزنا " .
إنك لو عرضت صورة تبين حال المدمن على أي عاقل فإنه أبداً لا يرضى لنفسه أن يكون في مثل هذا الموقف أبدا .
ثالثاً : إحياء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهذه تتطلب فهماً دقيقاً للأمر فليس معنى هذا إشاعة الفوضى او قطع الرقاب دون روية .
لقد علمنا الشرع أننا حين نرى غيرنا يرتكب الخطأ أن ننظر في حاله .. فإن علمنا أن الخطأ طارئ وأن الأصل في هذا الشخص هو الصواب فإن الواجب علينا أن نستره وأن ننصحه ، وفي ذلك الباب ( الستر والنصيحة ) ورد العديد من أحاديث رسول الله ، أما حين نراه مصراً على الخطأ ولا يبالي وما عادت النصيحة تنفع معه فلا بد من إجراءٍ يضمن ردعه وحماية المجتمع من شره بحسب الطرق التي يحددها الشرع في التعامل مع المنكر .
فالأب ومن في حكمه له ولاية التأديب والإجبار على من يلي أمرهم ، والخارج عن حدود سلطاننا فالسلطان وليه وعليه أن يقوم بدوره وعلينا نحن أن ننبه ولي الأمر ليقوم هو بما عجزنا عن القيام به من ردعه وحماية المجتمع من شره .
» السيرة الذاتية للشيخ ابراهيم محمد حسين العرجا
» مطلوب مدرس علوم
» عزاء واجب .. وفاة الحاجة / أمنة محمد العرجا ( أم عبد الرحيم )
» الشهيد تامر يونس العرجا
» لنرحب اجمل ترحيب بالاعضاء الجدد " حياهم الله "
» مادة اثرائية رياضيات للصفوف الرابع والخامس والسادس
» عزاء واجب .. وفاة الحاج / عبد الرحمن حماد العرجا (ابو عطية )
» الاحتلال الإسرائيلي يحرم الأسرى الفلسطينيين من المونديال
» لماذا نهى الرسول صلى الله عليه وسلم النوم على البطن؟
» التغذية المتنوعة للأم أفضل وسيلة لوقاية الطفل من الحساسية
» صلح عشائري بين عائلتي العرجا وأبو عيادة برفح
» برنامج رائع لصيانة وتنظيف وتسريع وتصليح الويندز مع الشرح
» لنرحب اجمل ترحيب بالاعضاء الجدد " حياهم الله " مجموعة ر قم "1"
» تهنئة للسيد\ طارق عبد المقصود العرجا بمناسبة المولودة الجديدة