يمكن تشبيه المنطقة العربية بمسرح، الممثلون فيه غير عرب؛ العرب مشاهدون لكنهم يتنافسون ويتقاتلون حول معنى ومغزى كل حركة على هذا المسرح. المسرحية دموية. التمثيل فيه بالذخيرة الحية. الموت والدمار هما عنوان كل فصل من فصول المسرحية. في فصول سابقة شاهدنا تفكيك بلدان عربية؛ الآن نشاهد فصولاً أخرى تُفكك فيها أقطار أخرى. في كل تفكيك حرب أهلية. في كل حرب أهلية مزيد من الزوال والاضمحلال، إضافة للتدمير والقتل.
مشكلة كاتب المسرحية والقوى التي جيء بها للإخراج والتمثيل هي أن العرب موحدون أكثر مما يظنون. تتوحد أوروبا تدريجياً؛ تعمل على ذلك النخب التي تسيطر على دولها. الأمّة العربية موحدة، ومع ذلك تساهم نخبها ودولها في عملية التفكيك. تتجّه أوروبا الى تشكيل دولة واحدة عن طريق مؤسساتها المشتركة. تتجّه دول الأمة العربية الى التفكك بينما مؤسساتها المشتركة، وأهمها الجامعة العربية، تجلس في مقاعد المتفرجين. ممنوع عليها أن تتدخل لرأب الصدع، هنا او هناك.
ما يميز المنطقة العربية هو وحدة شعوبها لا دولها. أهم عناصر الوحدة لغة التخاطب والتواصل. ليس هناك تميّز أخلاقي لأمّة على أخرى؛ لكن هناك أمماً فاعلة وأخرى عاجزة. تنتج القدرة على الفعل عن ظروف تاريخية. في الظروف الراهنة تتفوّق الأمّة العربية في التبديد الهائل للموارد الطبيعية والموارد البشرية. يساهم في ذلك بدرجات متفاوتة بين قطر عربي وآخر، عاملان اثنان هما النفط والأصولية. تؤدي الأصولية، كما النفط الى طغيان الخارج على الداخل، برغم المظاهر التي تشير الى غير ذلك.
يُستخرج النفط من باطن الأرض العربية، من الداخل. لكن القوى التي تسيطر عليه خارجية. يُباع للخارج. ما يترك للعرب من إيراداته المالية يستخدم لدى النخب؛ وهذه تعيش على مستوردات هي في معظمها غير مجدية. ما هو مخصص للبنى التحتية تُستخدم شركات أجنبية لتشييده. القليل من إيرادات النفط يُستخدم للاستثمار في الإنتاج. الاستيراد هو السمة الغالبة حتى في مجال الأيدي العاملة. تنتج عن ذلك بنية ذهنية يسكن أصحابها (ربما؟) في الداخل بينما وعيهم في الخارج.
أمّا الأصولية، وهي التيار الذهني السائد، فإنها وعي يسكن أيضاً في الخارج، لأنه يستغرق نفسه في الماضي لا في الحاضر. تستهلك الأصولية نفسها في ما كان وفي ما يجب أن يكون لا في ما هو كائن. لا بدّ وأن الأصولية نتجت عن المصائب والهزائم المتلاحقة، مّما دفع بالجمهور وبعض النخب الى التمسك بالهوية لمواجهة البؤس الراهن. لكن الهوية المتركزة حول الماضي تتشكل حول ما لم يعد موجوداً، وما لم يعد موجوداً هو خارج الذات الراهنة، خارج الحاضر. هي ذات يُعاد تشكيلها، لدى الأصولية، للتعويض عن واقع راهن يفقد فيه العرب اعتبارهم لأنفسهم. لا يمكن النظر الى الماضي إلا من خلال الحاضر؛ وعندما يخلو الحاضر من المعنى فإن الماضي لا يمكن إلا أن يصير معنى مفقوداً.
انفصل الحاضر عن الماضي عندما انفصل زمن العرب الراهن عن الصراع. قديماً استخدم تعبير «الأيام» (أيام العرب) بمعنى الغزو والصراع. واستُخدم أيضاً بمعنى الدهر والزمان. الزمان سجل الحركة والصراع. كان التأريخ أي اعتبار الزمان يحسب بأيام الغزوات، بأيام الصراع. وفي انفصالهما استحالة منطقية. لا تنتج الحركة والصراع إلا نتيجة إرادة. عندما يفتقر الحاضر الى إرادة فعل يصبح الحاضر مساحة فارغة او مسرحاً لآخرين؛ يصبح مشهداً ينتقل فيه المعنيون بالصراع الى مقاعد المتفرجين. يتحول المتفرجون من ذات فاعلة الى موضوع للانفعالات. لم يعد للحاضر معنى او مغزى عندما دخل العرب عملية «السلام». المشكلة ليست في السلام بل في عملية السلام التي تحولت إلى عملية احتيال إسرائيلية كبرى.
يضعف العرب، كما يضعف أي شعب آخر، عندما يتجوّف داخلهم ويفرغ ويدمَّر محتواه. ربما اختلف البعض حول إستراتيجية الإمبراطورية، لكن الأكيد ان إسرائيل لا يمكنها الاستمرار في ما هي عليه إلا بتنفيذ هذه الإستراتيجية. الوجه الآخر لهذه الإستراتيجية هو إسكان العرب خارج حاضرهم، وبقاؤهم خارج ذاتهم في وعي عينه على الخارج والعين الأخرى على الماضي؛ عينان على الخارج ووعي يتشرذم ويتشتت.
لم يكن صدفة ان إسرائيل جيء بها من الخارج. زُرعت في الداخل من أجل تدميره وتشتيته. زرعت في الداخل وأعطيت من الدعم والمساعدة ما لم يعطَ لأيّة دولة او مؤسسة أخرى، ثم اخترعت عملية السلام كي ينتقل العرب بوعيهم الممزق الى الخارج، كي يصير وعيهم خارجاً عن ذاتهم وغير فاعل في حاضرهم. الذات هي الحاضر، هي في الحاضر. عندما تتمحور الذات حول الخارج، يصير الداخل مسرحاً للآخرين، مسرحاً لا فعل فيه إلا للخارج. هكذا انقلبت الاستقلالات العربية الى نقيضها، وهكذا تتحول الاقطار العربية الى حروب أهلية مع تمزّق الداخل وفراغه. خرجت الامبريالية لكنها بقيت مسيطرة؛ تسيطر على الوعي، وعندما تكون هناك حاجة للاحتلال فالحرب تُشنّ من أجل ذلك. وإذا كانت الحرب مكلفة، فليتقاتل العرب في ما بينهم. يتقاتل العرب الآن في اليمن، كما يتقاتل جمهور كرة القدم المصري والجزائري، بينما النصر او الهزيمة هما من مهام اللاعبين على ارض الملعب – المسرح.
هي جامعة الدول العربية. تأسست في أعقاب الحرب العالمية الثانية. قديمة قدم الأمم المتحدة. ما يبقيها هو الجمهور العربي. لا تجرؤ الدول العربية على التخلي عنها لأنها هي التعبير الوحيد الباقي (بعد اللغة) عن وحدة الشعوب العربية. المفارقة هي أنها لا تستطيع إلا ان تتعاطى مع الدول العربية. فهل يكون الإجهاز عليها جزءاً من الإجهاز على ما ترمز إليه؟
مشكلة كاتب المسرحية والقوى التي جيء بها للإخراج والتمثيل هي أن العرب موحدون أكثر مما يظنون. تتوحد أوروبا تدريجياً؛ تعمل على ذلك النخب التي تسيطر على دولها. الأمّة العربية موحدة، ومع ذلك تساهم نخبها ودولها في عملية التفكيك. تتجّه أوروبا الى تشكيل دولة واحدة عن طريق مؤسساتها المشتركة. تتجّه دول الأمة العربية الى التفكك بينما مؤسساتها المشتركة، وأهمها الجامعة العربية، تجلس في مقاعد المتفرجين. ممنوع عليها أن تتدخل لرأب الصدع، هنا او هناك.
ما يميز المنطقة العربية هو وحدة شعوبها لا دولها. أهم عناصر الوحدة لغة التخاطب والتواصل. ليس هناك تميّز أخلاقي لأمّة على أخرى؛ لكن هناك أمماً فاعلة وأخرى عاجزة. تنتج القدرة على الفعل عن ظروف تاريخية. في الظروف الراهنة تتفوّق الأمّة العربية في التبديد الهائل للموارد الطبيعية والموارد البشرية. يساهم في ذلك بدرجات متفاوتة بين قطر عربي وآخر، عاملان اثنان هما النفط والأصولية. تؤدي الأصولية، كما النفط الى طغيان الخارج على الداخل، برغم المظاهر التي تشير الى غير ذلك.
يُستخرج النفط من باطن الأرض العربية، من الداخل. لكن القوى التي تسيطر عليه خارجية. يُباع للخارج. ما يترك للعرب من إيراداته المالية يستخدم لدى النخب؛ وهذه تعيش على مستوردات هي في معظمها غير مجدية. ما هو مخصص للبنى التحتية تُستخدم شركات أجنبية لتشييده. القليل من إيرادات النفط يُستخدم للاستثمار في الإنتاج. الاستيراد هو السمة الغالبة حتى في مجال الأيدي العاملة. تنتج عن ذلك بنية ذهنية يسكن أصحابها (ربما؟) في الداخل بينما وعيهم في الخارج.
أمّا الأصولية، وهي التيار الذهني السائد، فإنها وعي يسكن أيضاً في الخارج، لأنه يستغرق نفسه في الماضي لا في الحاضر. تستهلك الأصولية نفسها في ما كان وفي ما يجب أن يكون لا في ما هو كائن. لا بدّ وأن الأصولية نتجت عن المصائب والهزائم المتلاحقة، مّما دفع بالجمهور وبعض النخب الى التمسك بالهوية لمواجهة البؤس الراهن. لكن الهوية المتركزة حول الماضي تتشكل حول ما لم يعد موجوداً، وما لم يعد موجوداً هو خارج الذات الراهنة، خارج الحاضر. هي ذات يُعاد تشكيلها، لدى الأصولية، للتعويض عن واقع راهن يفقد فيه العرب اعتبارهم لأنفسهم. لا يمكن النظر الى الماضي إلا من خلال الحاضر؛ وعندما يخلو الحاضر من المعنى فإن الماضي لا يمكن إلا أن يصير معنى مفقوداً.
انفصل الحاضر عن الماضي عندما انفصل زمن العرب الراهن عن الصراع. قديماً استخدم تعبير «الأيام» (أيام العرب) بمعنى الغزو والصراع. واستُخدم أيضاً بمعنى الدهر والزمان. الزمان سجل الحركة والصراع. كان التأريخ أي اعتبار الزمان يحسب بأيام الغزوات، بأيام الصراع. وفي انفصالهما استحالة منطقية. لا تنتج الحركة والصراع إلا نتيجة إرادة. عندما يفتقر الحاضر الى إرادة فعل يصبح الحاضر مساحة فارغة او مسرحاً لآخرين؛ يصبح مشهداً ينتقل فيه المعنيون بالصراع الى مقاعد المتفرجين. يتحول المتفرجون من ذات فاعلة الى موضوع للانفعالات. لم يعد للحاضر معنى او مغزى عندما دخل العرب عملية «السلام». المشكلة ليست في السلام بل في عملية السلام التي تحولت إلى عملية احتيال إسرائيلية كبرى.
يضعف العرب، كما يضعف أي شعب آخر، عندما يتجوّف داخلهم ويفرغ ويدمَّر محتواه. ربما اختلف البعض حول إستراتيجية الإمبراطورية، لكن الأكيد ان إسرائيل لا يمكنها الاستمرار في ما هي عليه إلا بتنفيذ هذه الإستراتيجية. الوجه الآخر لهذه الإستراتيجية هو إسكان العرب خارج حاضرهم، وبقاؤهم خارج ذاتهم في وعي عينه على الخارج والعين الأخرى على الماضي؛ عينان على الخارج ووعي يتشرذم ويتشتت.
لم يكن صدفة ان إسرائيل جيء بها من الخارج. زُرعت في الداخل من أجل تدميره وتشتيته. زرعت في الداخل وأعطيت من الدعم والمساعدة ما لم يعطَ لأيّة دولة او مؤسسة أخرى، ثم اخترعت عملية السلام كي ينتقل العرب بوعيهم الممزق الى الخارج، كي يصير وعيهم خارجاً عن ذاتهم وغير فاعل في حاضرهم. الذات هي الحاضر، هي في الحاضر. عندما تتمحور الذات حول الخارج، يصير الداخل مسرحاً للآخرين، مسرحاً لا فعل فيه إلا للخارج. هكذا انقلبت الاستقلالات العربية الى نقيضها، وهكذا تتحول الاقطار العربية الى حروب أهلية مع تمزّق الداخل وفراغه. خرجت الامبريالية لكنها بقيت مسيطرة؛ تسيطر على الوعي، وعندما تكون هناك حاجة للاحتلال فالحرب تُشنّ من أجل ذلك. وإذا كانت الحرب مكلفة، فليتقاتل العرب في ما بينهم. يتقاتل العرب الآن في اليمن، كما يتقاتل جمهور كرة القدم المصري والجزائري، بينما النصر او الهزيمة هما من مهام اللاعبين على ارض الملعب – المسرح.
هي جامعة الدول العربية. تأسست في أعقاب الحرب العالمية الثانية. قديمة قدم الأمم المتحدة. ما يبقيها هو الجمهور العربي. لا تجرؤ الدول العربية على التخلي عنها لأنها هي التعبير الوحيد الباقي (بعد اللغة) عن وحدة الشعوب العربية. المفارقة هي أنها لا تستطيع إلا ان تتعاطى مع الدول العربية. فهل يكون الإجهاز عليها جزءاً من الإجهاز على ما ترمز إليه؟
الخميس 12 أكتوبر 2023 - 17:40 من طرف أبو عائشة
» السيرة الذاتية للشيخ ابراهيم محمد حسين العرجا
الخميس 6 أبريل 2017 - 17:27 من طرف nurse
» مطلوب مدرس علوم
الثلاثاء 5 يناير 2016 - 15:29 من طرف م.ابو وسيم
» عزاء واجب .. وفاة الحاجة / أمنة محمد العرجا ( أم عبد الرحيم )
الأربعاء 14 يناير 2015 - 15:48 من طرف م.ابو وسيم
» الشهيد تامر يونس العرجا
السبت 6 ديسمبر 2014 - 18:09 من طرف وسام محمد العرجا
» لنرحب اجمل ترحيب بالاعضاء الجدد " حياهم الله "
الأحد 30 نوفمبر 2014 - 14:55 من طرف م.ابو وسيم
» مادة اثرائية رياضيات للصفوف الرابع والخامس والسادس
الأحد 16 نوفمبر 2014 - 3:54 من طرف Atta Hassan
» عزاء واجب .. وفاة الحاج / عبد الرحمن حماد العرجا (ابو عطية )
الخميس 18 سبتمبر 2014 - 18:29 من طرف م.ابو وسيم
» الاحتلال الإسرائيلي يحرم الأسرى الفلسطينيين من المونديال
الخميس 19 يونيو 2014 - 5:57 من طرف أبو ثائر
» لماذا نهى الرسول صلى الله عليه وسلم النوم على البطن؟
الخميس 19 يونيو 2014 - 5:53 من طرف أبو ثائر
» التغذية المتنوعة للأم أفضل وسيلة لوقاية الطفل من الحساسية
الخميس 19 يونيو 2014 - 5:50 من طرف أبو ثائر
» صلح عشائري بين عائلتي العرجا وأبو عيادة برفح
الخميس 19 يونيو 2014 - 5:46 من طرف أبو ثائر
» برنامج رائع لصيانة وتنظيف وتسريع وتصليح الويندز مع الشرح
الجمعة 13 يونيو 2014 - 7:15 من طرف قصيد الليل
» لنرحب اجمل ترحيب بالاعضاء الجدد " حياهم الله " مجموعة ر قم "1"
الأربعاء 11 يونيو 2014 - 2:31 من طرف وسام محمد العرجا
» تهنئة للسيد\ طارق عبد المقصود العرجا بمناسبة المولودة الجديدة
الإثنين 19 مايو 2014 - 4:21 من طرف أبو ثائر