لتكافل الاجتماعي في الإسلام
مفهوم التكافل الاجتماعي :
يقصد بالتكافل الاجتماعي : أن يكون أفراد المجتمع مشاركين في المحافظة على المصالح العامة والخاصة ودفع المفاسد والأضرار المادية والمعنوية بحيث يشعر كل فرد فيه أنه إلى جانب الحقوق التي له أن عليه واجبات للآخرين وخاصة الذين ليس باستطاعتهم أن يحققوا حاجاتهم الخاصة وذلك بإيصال المنافع إليهم ودفع الأضرار عنهم .
نطاق التكافل الاجتماعي في الإسلام
إن المجتمع المسلم هو الذي يطبق فيه الإسلام عقيدة وعبادة وشريعة ونظاما وخلقا وسلوكاً وفقا لما جاء به الكتاب والسنة واقتداء بالصورة التي طبق بها الإسلام في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين من بعده. وعندما يلتزم المجتمع بهذه القاعدة يجد التكامل الاجتماعي مكانه بارزاً في المجتمع بحيث تتحقق فيه جميع مضامينه، ذلك أن الإسلام قد أهتم ببناء المجتمع المتكامل وحشد في سبيل ذلك جملة من النصوص والأحكام لإخراج الصورة التي وصف بها الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك المجتمع بقوله : " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر " [ البخاري و مسلم ] لذا : فإن التكافل الاجتماعي في الإسلام ليس مقصورا على النفع المادي وإن كان ذلك ركن أساس فيه -بل يتجاوزه إلى جميع حاجات المجتمع أفرادا وجماعات، مادية كانت تلك الحاجة أو معنوية أو فكرية على أوسع مدى لهذه المفاهيم، فهي بذلك تتضمن جميع الحقوق الأساسية للأفراد والجماعات داخل الأمة .
والتكافل الاجتماعي في الإسلام ليس معنياً به المسلمين المنتمين إلى الأمة المسلمة فقط ، بل يشمل كل بني الإنسان على اختلاف مللهم واعتقاداتهم داخل ذلك المجتمع كما قال الله تعالى : " لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم " [ الممتحنة : 8 ] ذلك أن أساس التكافل هو كرامة الإنسان حيث قال الله تعالى : " ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا " [ الإسراء : 7 ]
مجال التكافل الاجتماعي في الإسلام
إن التكافل الاجتماعي في الإسلام يعد غاية أساسية تتسع دائرته حتى تشمل جميع البشر مؤمنهم وكافرهم فقد قال الله تعالى : " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم " [ الحجرات : 113 ] يتدرج ليشمل الإنسانية جمعاء حيث يبدأ الإنسان المسلم بدائرته الذاتية ثم دائرته الأسرية ثم محيطه الاجتماعي ثم إلى تكافل المجتمعات المختلفة .
التكافل بين المرء وذاته . الإنسان مسؤول عن نفسه أولا فهو مسؤول عن تزكيتها وتهذيبها وإصلاحها ودفعها إلى الخير وحجزها عن الشر . قال الله تعالى : " ونفس وما سوها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دسها " [ الشمس : 7 ] كما أنه مسؤول عن حفظها ورعاية صحتها وتمتعها في حدود المباح . قال الله تعالى : " وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين " [ القصص : 77 ] ثم إنه منهي عن إتلاف نفسه وإضعافها وتعذيبها فقد نهى الله تعالى عن الانتحار بقوله : " ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما " [ النساء : 29 ] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قتل نفسه بحديدة .فحديدته في يده يجأ بها في بطنه نار في جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا " [ البخاري ] كما يحرم عليه تعاطي كل ما يؤثر على صحته أو عقله ، فإن من المقاصد العامة الضرورية للشريعة الإسلامية حفظ النفس والعقل والمال . قال الله تعالى :في الخمر " يا أيها الذين أمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون " [ المائدة : 90 ]
التكافل داخل الأسرة :
لقد أكد الإسلام على التكافل بين أفراد الأسرة وجعله الرباط المحكم الذي يحفظ الأسرة من التفكك والانهيار، ويبدأ التكافل في محيط الأسرة من الزوجين بتحمل المسؤولية المشتركة في القيام بواجبات الأسرة ومتطلباتها كل بحسب وظيفته الفطرية التي فطره الله عليها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "الرجل راع في بيته ومسؤول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها " [ البخاري و مسلم ] ويأتي تقسيم وتوزيع المسؤوليات داخل البيت بين الرجل والمرأة بما يضمن قيام الأسس المادية والمعنوية التي تقوم عليها الأسرة فالله سبحانه وتعالى يخاطب أرباب الأسر رجالا ونساء - بقوله : " يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة " [ التحريم : 46 ] ولا تتم هذه الوقاية إلا بالتبصر بالحق وتعليم العلم النافع والإرشاد إلى أبواب الخير وهذا هو قوام التكافل العلمي والتثقيفي للأسرة ، وهو مسؤولية مشتركة بين الزوجين فكلما وجد أحدهما في الآخر تقاعسا أو تقصيرا نبهه وأرشده إلى الصلاح والإصلاح . قال الله تعالى : " والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر " [ التوبة : 71 ] وقد حث الإسلام على تنمية الود والحب الغريزي بين الرجل والمرأة في حياتهم الزوجية فقال تعالى : " ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة " [ الروم : 21 ]
وأرسى لتحقيق ذلك مبادئ وضمانات عديدة منها :
أ: حفظ الحقوق بين الزوجين : قال تعالى : " ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف " [ البقرة : 228 ]
ب: حسن اختيار الزوجة والزوج :
ذلك أن الأسرة هي الخلية التي ينشأ فيها الأبناء ، لذا : لزم أن تكون هذه الخلية صالحة من أساسها فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تنكح المرأة لأربع : لمالها ، ولحسبها ، ولجمالها ، ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك " [ البخاري ] وأما فيما يختص باختيار المرأة لزوجها فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير" [ ابن ماجة ] وقال الله تعالى : " ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون " [ البقرة : 221 ]
ج: حسن المعاملة بينهما :
فقد حث الإسلام على المعاملة الحسنة بين الزوجين وثبت ذلك بنصوص الكتاب والسنة فقد قال الله تعالى :" وعاشروهن بالمعروف " [ البقرة : 231 ] وقال الله تعالى : " فامسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف" [ البقرة : 231 ] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وخياركم خياركم لنسائهم " [ الترمذي ] وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم خير الناس معاشرة لأزواجه وأحسن الناس رفقا بهم . وكان يمازحهن ويساعدهن في أعمالهن ويسامحهن فيما يقع منهن من أخطاء وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي " [ ابن ماجه ]
د: الإنفاق على الأسرة :
ذلك أن المال قوام الحياة المادية ، والمرأة داخلة في ولاية زوجها فهو مسؤول عنها بالنفقة ، قال الله تعالى : " لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله ، لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسرا " [ الطلاق : 6 ] بل إن الإسلام قد أوجب النفقة للزوجة على الزوج حتى لو كانت مطلقة فإن النفقة والسكن واجبة عليه طول فترة العدة- وهي المدة التي تنتظرها المرأة المطلقة ولا تتزوج من غيره إستبراء للرحم - كما أن الزوج يدفع لها ثمن إرضاعها لابنه منها حال طلاقها قال الله تعالى : " أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن وأتمروا بينكم بمعروف وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى " [ الطلاق : 6 ]
ه/ الاعتناء بالأولاد رعاية وتربية :
لقد أكد الإسلام حق الأولاد الصغار في الرعاية والتربية وجعل ذلك أهم واجبات الأبوين فلم يكتف الإسلام بالدافع الفطري لقيام الأبوين بواجبها بل عزز ذلك بقواعد محددة تضمن للأولاد النشوء في صورة مثلى تكفل لهم حقوقهم كاملة . فمنذ الولادة نص على استكمال الرضاعة قال الله تعالى : "والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف" [ البقرة : 233 ] كما جعل له الحق في التربية قال الله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا " [ التحريم : 6 ] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع " [ أبو داود ]
التكافل داخل الجماعة :
لقد أقام الإسلام تكافلا مزدوجا بين الفرد والجماعة فأوجب على كل منهما التزامات تجاه الآخر ومازج بين المصلحة الفردية والمصلحة العامة بحيث يكون تحقيق المصلحة الخاصة مكملا للمصلحة العامة وتحقيق المصلحة العامة متضمنا لمصلحة الفرد، فالفرد في المجتمع المسلم مسؤول تضامنيا عن حفظ النظام العام وعن التصرف الذي يمكن أن يسيء إلى المجمع أو يعطل بعض مصالحه قال الله تعالى : " المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم " [ التوبة : 71 ] كما أن الفرد مأمور بإجادة أدائه الاجتماعي بأن يكون وجوده فعالا ومؤثرا في المجتمع الذي يعيش فيه قال الله تعالى : "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان" [المائدة : 2 ] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا " [ متفق عليه ] وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم حال أفراد المجتمع في تماسكهم وتكافلهم بصورة تمثلية رائعة حيث قال : " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاونهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر " [ مسلم ] من جانب آخر فإن الجماعة أيضا مسؤولة عن حفظ حرمات الفرد وكفالة حقوقه وحرياته الخاصة : قال الله تعالى :" يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعد الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا " [ الحجرات : 13 ] وقد صور الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الصورة التكافلية في مثال رائع بقوله : " مثل القائم على حدود الله - أي القائم على حفظ النظام العام للمجتمع وأفراده - والواقع فيه كمثل قوم استهموا سفينة فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم ، فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا هذا خرقا ولم نؤذ من فوقنا ، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا " [ البخاري ]
4/وأما التكافل بين جميع المجتمعات الإنسانية فهو الذي ترسم ملامحه الآية الكريمة " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير " [ الحجرات : 113 ] فهي تعلن مبادئ تكافل دولي بموجبه تنتظم كافة المجتمعات الإنسانية في رباط عالمي هدفه النهائي والحقيقي إقامة مصالح العالمين ودفع المفاسد عنهم وتبادل المنافع فيما بينهم، مادية ومعنوية، علمية وثقافية واقتصادية مع الحفاظ على خصوصيات كل مجتمع وكيان دون تهديد لتلك الخصوصيات بما يهدمها أو يلغيها، وأساس ذلك إحساس الجميع بوحدة أصلهم ومنشئهم ومصيرهم . وهذا التكافل لا يقف عند تحقيق مصالح الجيل الحاضر بل يتعدى ذلك إلى نظرة شاملة تضع في الاعتبار مصالح أجيال المستقبل وهو ما من شأنه أن يسهم في حل كثير من الأزمات المعاصرة ويحاصر كثير من الأخطار التي تواجه مستقبل البشرية والتي نشأت من جراء لهاث هذا الجيل وراء مصالحه دون اعتبار للمستقبل البشرى العام، وهي أخطار ومشكلات كثيرة لعل من أخطرها مشكلة البيئة والموارد الطبيعية. "ولو لا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا" [ الحج : 40 ]
مفهوم التكافل الاجتماعي :
يقصد بالتكافل الاجتماعي : أن يكون أفراد المجتمع مشاركين في المحافظة على المصالح العامة والخاصة ودفع المفاسد والأضرار المادية والمعنوية بحيث يشعر كل فرد فيه أنه إلى جانب الحقوق التي له أن عليه واجبات للآخرين وخاصة الذين ليس باستطاعتهم أن يحققوا حاجاتهم الخاصة وذلك بإيصال المنافع إليهم ودفع الأضرار عنهم .
نطاق التكافل الاجتماعي في الإسلام
إن المجتمع المسلم هو الذي يطبق فيه الإسلام عقيدة وعبادة وشريعة ونظاما وخلقا وسلوكاً وفقا لما جاء به الكتاب والسنة واقتداء بالصورة التي طبق بها الإسلام في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين من بعده. وعندما يلتزم المجتمع بهذه القاعدة يجد التكامل الاجتماعي مكانه بارزاً في المجتمع بحيث تتحقق فيه جميع مضامينه، ذلك أن الإسلام قد أهتم ببناء المجتمع المتكامل وحشد في سبيل ذلك جملة من النصوص والأحكام لإخراج الصورة التي وصف بها الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك المجتمع بقوله : " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر " [ البخاري و مسلم ] لذا : فإن التكافل الاجتماعي في الإسلام ليس مقصورا على النفع المادي وإن كان ذلك ركن أساس فيه -بل يتجاوزه إلى جميع حاجات المجتمع أفرادا وجماعات، مادية كانت تلك الحاجة أو معنوية أو فكرية على أوسع مدى لهذه المفاهيم، فهي بذلك تتضمن جميع الحقوق الأساسية للأفراد والجماعات داخل الأمة .
والتكافل الاجتماعي في الإسلام ليس معنياً به المسلمين المنتمين إلى الأمة المسلمة فقط ، بل يشمل كل بني الإنسان على اختلاف مللهم واعتقاداتهم داخل ذلك المجتمع كما قال الله تعالى : " لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم " [ الممتحنة : 8 ] ذلك أن أساس التكافل هو كرامة الإنسان حيث قال الله تعالى : " ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا " [ الإسراء : 7 ]
مجال التكافل الاجتماعي في الإسلام
إن التكافل الاجتماعي في الإسلام يعد غاية أساسية تتسع دائرته حتى تشمل جميع البشر مؤمنهم وكافرهم فقد قال الله تعالى : " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم " [ الحجرات : 113 ] يتدرج ليشمل الإنسانية جمعاء حيث يبدأ الإنسان المسلم بدائرته الذاتية ثم دائرته الأسرية ثم محيطه الاجتماعي ثم إلى تكافل المجتمعات المختلفة .
التكافل بين المرء وذاته . الإنسان مسؤول عن نفسه أولا فهو مسؤول عن تزكيتها وتهذيبها وإصلاحها ودفعها إلى الخير وحجزها عن الشر . قال الله تعالى : " ونفس وما سوها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دسها " [ الشمس : 7 ] كما أنه مسؤول عن حفظها ورعاية صحتها وتمتعها في حدود المباح . قال الله تعالى : " وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين " [ القصص : 77 ] ثم إنه منهي عن إتلاف نفسه وإضعافها وتعذيبها فقد نهى الله تعالى عن الانتحار بقوله : " ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما " [ النساء : 29 ] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قتل نفسه بحديدة .فحديدته في يده يجأ بها في بطنه نار في جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا " [ البخاري ] كما يحرم عليه تعاطي كل ما يؤثر على صحته أو عقله ، فإن من المقاصد العامة الضرورية للشريعة الإسلامية حفظ النفس والعقل والمال . قال الله تعالى :في الخمر " يا أيها الذين أمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون " [ المائدة : 90 ]
التكافل داخل الأسرة :
لقد أكد الإسلام على التكافل بين أفراد الأسرة وجعله الرباط المحكم الذي يحفظ الأسرة من التفكك والانهيار، ويبدأ التكافل في محيط الأسرة من الزوجين بتحمل المسؤولية المشتركة في القيام بواجبات الأسرة ومتطلباتها كل بحسب وظيفته الفطرية التي فطره الله عليها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "الرجل راع في بيته ومسؤول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها " [ البخاري و مسلم ] ويأتي تقسيم وتوزيع المسؤوليات داخل البيت بين الرجل والمرأة بما يضمن قيام الأسس المادية والمعنوية التي تقوم عليها الأسرة فالله سبحانه وتعالى يخاطب أرباب الأسر رجالا ونساء - بقوله : " يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة " [ التحريم : 46 ] ولا تتم هذه الوقاية إلا بالتبصر بالحق وتعليم العلم النافع والإرشاد إلى أبواب الخير وهذا هو قوام التكافل العلمي والتثقيفي للأسرة ، وهو مسؤولية مشتركة بين الزوجين فكلما وجد أحدهما في الآخر تقاعسا أو تقصيرا نبهه وأرشده إلى الصلاح والإصلاح . قال الله تعالى : " والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر " [ التوبة : 71 ] وقد حث الإسلام على تنمية الود والحب الغريزي بين الرجل والمرأة في حياتهم الزوجية فقال تعالى : " ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة " [ الروم : 21 ]
وأرسى لتحقيق ذلك مبادئ وضمانات عديدة منها :
أ: حفظ الحقوق بين الزوجين : قال تعالى : " ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف " [ البقرة : 228 ]
ب: حسن اختيار الزوجة والزوج :
ذلك أن الأسرة هي الخلية التي ينشأ فيها الأبناء ، لذا : لزم أن تكون هذه الخلية صالحة من أساسها فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تنكح المرأة لأربع : لمالها ، ولحسبها ، ولجمالها ، ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك " [ البخاري ] وأما فيما يختص باختيار المرأة لزوجها فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير" [ ابن ماجة ] وقال الله تعالى : " ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون " [ البقرة : 221 ]
ج: حسن المعاملة بينهما :
فقد حث الإسلام على المعاملة الحسنة بين الزوجين وثبت ذلك بنصوص الكتاب والسنة فقد قال الله تعالى :" وعاشروهن بالمعروف " [ البقرة : 231 ] وقال الله تعالى : " فامسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف" [ البقرة : 231 ] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وخياركم خياركم لنسائهم " [ الترمذي ] وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم خير الناس معاشرة لأزواجه وأحسن الناس رفقا بهم . وكان يمازحهن ويساعدهن في أعمالهن ويسامحهن فيما يقع منهن من أخطاء وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي " [ ابن ماجه ]
د: الإنفاق على الأسرة :
ذلك أن المال قوام الحياة المادية ، والمرأة داخلة في ولاية زوجها فهو مسؤول عنها بالنفقة ، قال الله تعالى : " لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله ، لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسرا " [ الطلاق : 6 ] بل إن الإسلام قد أوجب النفقة للزوجة على الزوج حتى لو كانت مطلقة فإن النفقة والسكن واجبة عليه طول فترة العدة- وهي المدة التي تنتظرها المرأة المطلقة ولا تتزوج من غيره إستبراء للرحم - كما أن الزوج يدفع لها ثمن إرضاعها لابنه منها حال طلاقها قال الله تعالى : " أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن وأتمروا بينكم بمعروف وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى " [ الطلاق : 6 ]
ه/ الاعتناء بالأولاد رعاية وتربية :
لقد أكد الإسلام حق الأولاد الصغار في الرعاية والتربية وجعل ذلك أهم واجبات الأبوين فلم يكتف الإسلام بالدافع الفطري لقيام الأبوين بواجبها بل عزز ذلك بقواعد محددة تضمن للأولاد النشوء في صورة مثلى تكفل لهم حقوقهم كاملة . فمنذ الولادة نص على استكمال الرضاعة قال الله تعالى : "والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف" [ البقرة : 233 ] كما جعل له الحق في التربية قال الله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا " [ التحريم : 6 ] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع " [ أبو داود ]
التكافل داخل الجماعة :
لقد أقام الإسلام تكافلا مزدوجا بين الفرد والجماعة فأوجب على كل منهما التزامات تجاه الآخر ومازج بين المصلحة الفردية والمصلحة العامة بحيث يكون تحقيق المصلحة الخاصة مكملا للمصلحة العامة وتحقيق المصلحة العامة متضمنا لمصلحة الفرد، فالفرد في المجتمع المسلم مسؤول تضامنيا عن حفظ النظام العام وعن التصرف الذي يمكن أن يسيء إلى المجمع أو يعطل بعض مصالحه قال الله تعالى : " المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم " [ التوبة : 71 ] كما أن الفرد مأمور بإجادة أدائه الاجتماعي بأن يكون وجوده فعالا ومؤثرا في المجتمع الذي يعيش فيه قال الله تعالى : "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان" [المائدة : 2 ] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا " [ متفق عليه ] وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم حال أفراد المجتمع في تماسكهم وتكافلهم بصورة تمثلية رائعة حيث قال : " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاونهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر " [ مسلم ] من جانب آخر فإن الجماعة أيضا مسؤولة عن حفظ حرمات الفرد وكفالة حقوقه وحرياته الخاصة : قال الله تعالى :" يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعد الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا " [ الحجرات : 13 ] وقد صور الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الصورة التكافلية في مثال رائع بقوله : " مثل القائم على حدود الله - أي القائم على حفظ النظام العام للمجتمع وأفراده - والواقع فيه كمثل قوم استهموا سفينة فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم ، فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا هذا خرقا ولم نؤذ من فوقنا ، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا " [ البخاري ]
4/وأما التكافل بين جميع المجتمعات الإنسانية فهو الذي ترسم ملامحه الآية الكريمة " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير " [ الحجرات : 113 ] فهي تعلن مبادئ تكافل دولي بموجبه تنتظم كافة المجتمعات الإنسانية في رباط عالمي هدفه النهائي والحقيقي إقامة مصالح العالمين ودفع المفاسد عنهم وتبادل المنافع فيما بينهم، مادية ومعنوية، علمية وثقافية واقتصادية مع الحفاظ على خصوصيات كل مجتمع وكيان دون تهديد لتلك الخصوصيات بما يهدمها أو يلغيها، وأساس ذلك إحساس الجميع بوحدة أصلهم ومنشئهم ومصيرهم . وهذا التكافل لا يقف عند تحقيق مصالح الجيل الحاضر بل يتعدى ذلك إلى نظرة شاملة تضع في الاعتبار مصالح أجيال المستقبل وهو ما من شأنه أن يسهم في حل كثير من الأزمات المعاصرة ويحاصر كثير من الأخطار التي تواجه مستقبل البشرية والتي نشأت من جراء لهاث هذا الجيل وراء مصالحه دون اعتبار للمستقبل البشرى العام، وهي أخطار ومشكلات كثيرة لعل من أخطرها مشكلة البيئة والموارد الطبيعية. "ولو لا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا" [ الحج : 40 ]
الخميس 12 أكتوبر 2023 - 17:40 من طرف أبو عائشة
» السيرة الذاتية للشيخ ابراهيم محمد حسين العرجا
الخميس 6 أبريل 2017 - 17:27 من طرف nurse
» مطلوب مدرس علوم
الثلاثاء 5 يناير 2016 - 15:29 من طرف م.ابو وسيم
» عزاء واجب .. وفاة الحاجة / أمنة محمد العرجا ( أم عبد الرحيم )
الأربعاء 14 يناير 2015 - 15:48 من طرف م.ابو وسيم
» الشهيد تامر يونس العرجا
السبت 6 ديسمبر 2014 - 18:09 من طرف وسام محمد العرجا
» لنرحب اجمل ترحيب بالاعضاء الجدد " حياهم الله "
الأحد 30 نوفمبر 2014 - 14:55 من طرف م.ابو وسيم
» مادة اثرائية رياضيات للصفوف الرابع والخامس والسادس
الأحد 16 نوفمبر 2014 - 3:54 من طرف Atta Hassan
» عزاء واجب .. وفاة الحاج / عبد الرحمن حماد العرجا (ابو عطية )
الخميس 18 سبتمبر 2014 - 18:29 من طرف م.ابو وسيم
» الاحتلال الإسرائيلي يحرم الأسرى الفلسطينيين من المونديال
الخميس 19 يونيو 2014 - 5:57 من طرف أبو ثائر
» لماذا نهى الرسول صلى الله عليه وسلم النوم على البطن؟
الخميس 19 يونيو 2014 - 5:53 من طرف أبو ثائر
» التغذية المتنوعة للأم أفضل وسيلة لوقاية الطفل من الحساسية
الخميس 19 يونيو 2014 - 5:50 من طرف أبو ثائر
» صلح عشائري بين عائلتي العرجا وأبو عيادة برفح
الخميس 19 يونيو 2014 - 5:46 من طرف أبو ثائر
» برنامج رائع لصيانة وتنظيف وتسريع وتصليح الويندز مع الشرح
الجمعة 13 يونيو 2014 - 7:15 من طرف قصيد الليل
» لنرحب اجمل ترحيب بالاعضاء الجدد " حياهم الله " مجموعة ر قم "1"
الأربعاء 11 يونيو 2014 - 2:31 من طرف وسام محمد العرجا
» تهنئة للسيد\ طارق عبد المقصود العرجا بمناسبة المولودة الجديدة
الإثنين 19 مايو 2014 - 4:21 من طرف أبو ثائر